صناعة النحاس حرفة بوسنية قديمة مهددة بالزوال
بدأت مهنة النحاس بالتراجع في البوسنة وأصبح عشقها مقصورا على السائحين (الجزيرة نت)
إبراهيم القديمي-سراييفو
يمثل النحاس حرفة عريقة وركيزة أساسية لها مكانتها الخاصة بين البوسنيين، حيث تدخل منتجاتها كل بيت عبر الأواني المستخدمة في الاحتياجات المنزلية.
وظلت هذه المهنة صامدة حتى وقعت في منافسة شديد مع المنتجات الأخرى المشابهة مثل الألمنيوم والبلاستيك والملومين، وبدأت مهنة النحاس بالتراجع، وأصبح عشقها مقصورا على السائحين.
الاجيتش عصمت (الجزيرة نت)
وعزا ألاجيتش عصمت الذي يمارس مهنة صناعة التحف النحاسية منذ أربعين عاما في حديثه للجزيرة نت أسباب هذا التقهقر إلى تراجع اهتمام البوسنيين بالأواني النحاسية نتيجة ارتفاع أسعارها بسبب الضرائب الباهظة وانعدام الدعم الحكومي لها وارتفاع المواد الخام المستوردة من النمسا. وتوقع انقراض هذه المهنة في حال استمرار أوضاعها على ما هي عليه.
ويعتبر الركود هو السمة الغالبة حاليا في صناعة النحاس، باستثناء شهر أغسطس/آب الذي تنشط فيه حركة المبيعات نتيجة تدفق السياح.
وحسب ألاجيتش فإن القانون البوسني يشدد على البقاء في هذا العمل الشاق، ولولاه لتحول جميع زملاء مهنته إلى أنشطة تجارية أخرى تدر عليهم أرباحا مضاعفة.
ثقافة متوارثة
أحد الحرفيين (الجزيرة نت)
ولم تقتصر صناعة النحاس على الأواني المنزلية، وإنما تشمل كذلك لوحات حائطية مزينة بآيات قرآنية، وأخرى مرسوم عليها معالم تاريخية شهيرة في سراييفو، إضافة إلى التحف التذكارية والصور والمجسمات النحاسية الكبيرة التي تعكس العنصر الجمالي لهذا الفن الرفيع.
ويقول هاج مرصاد بركانتش -الذي يعمل في المهنة منذ 45 عاما- إن صناعة النحاس تمثل موروثا إسلاميا تناقلته عائلته منذ ما يربو على قرنين من الزمان.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن هذه الحرفة تعكس روح وحياة وثقافة المجتمع البوسني المسلم، حيث تجاوزت اهتماماته بيع النحاس إلى التفنن في ابتكار أعمال ينفرد بها عن منافسيه.
ويعود للعثمانيين الفضل في إدخال هذه الحرفة إلى البوسنة في القرن الثامن عشر، حيث أتقنها الكثير من الحرفيين، وأصبح عدد المحال العاملة في شارع كازا نجيلوك الواقع في منطقة بشارشيا والمخصص للصناعات النحاسية ثلاثين محلا ما زالت باقية إلى اليوم.
مرصاد بركانتش (الجزيرة نت)
وبحسب بركانتش فإن اليونسكو اعتبرت هذه الحرفة تراثا إنسانيا يجب الحفاظ عليه، منوها إلى أن الزخرفة والصور المنقوشة على الأواني النحاسية تختلف من محل لآخر، وهو ما أوجد كما هائلا من الأشكال التي تشتهر بها البوسنة دون سواها.
سجل تاريخي
وتتضمن أشكال وزخرفة بعض الأواني حقبة الحكم العثماني للبلاد، وتعتبر بمثابة سجل حافل لتاريخ تلك الفترة التي نشأت وانتشرت خلالها صناعة النحاس، ولعل ذلك يعكس سر ارتفاع أسعارها التي تصل إلى ثلاثمائة يورو لطقم صغير يضم إبريقا وأكوابا لتناول الشاي.