عوامل تقلل احتمال العمل العسكري
عوامل ترجح العمل العسكري
الآثار الناجمة عن الحصار على الدول العربية
ترددت التحليلات حول الموقف من إيران على ضوء الحزمة المعروضة عليها من الحوافز عن طريق مجموعة الخمسة زائد واحد، وكان أبرزها تصريحات من الولايات المتحدة بأن على إيران أن ترد بإيجابية على طلب إيقاف تخصيب اليورانيوم خلال خمسة عشر يوما حسب التصريح الأميركي "إما التعاون وإما المواجهة" بمعنى أن تتخذ إجراء عقوبات ضدها.
ويعتبر فرض الحصار البحري والجوي هو التصعيد الأخطر في ملف العقوبات حتى مع الوضع في الاعتبار التصريحات الأميركية المعلنة بأن الحصار سيكون جزئيا ويشمل واردات البنزين ومشتقات الوقود ولا يشمل المواد الغذائية والتجارية، حيث تستورد إيران ما يقرب من 40%من احتياجاتها من البنزين من الخارج.
عوامل تقلل احتمال العمل العسكري
تحدث رئيس المخابرات الإسرائيلية السابق أهارن زئيفي فركش إلى جريدة يوميور شيبمون اليابانية عن أنه على إسرائيل أن تنتظر حتى صيف العام القادم حيث لن تتوفر لإيران كمية من اليورانيوم المخصب لإنتاج سلاح نووي قبل ذلك.
وأضاف أن اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران في ذلك الوقت سيلقى قبولا أكثر في حال فشل المساعي الدبلوماسية، فإذا لم تتعاون إيران فإنها تكون من حقها أن تتصرف بنفسها، كما ستكون الإدارة الأميركية الجديدة قد استقرت في مكانها وأصبحت قادرة على التصرف واتخاذ القرار المناسب.
"
بريجنسكي: احتفاظ إدارة بوش بالخيار العسكري غير مفيد أو منتج، وأي هجوم على إيران سيكون كارثيا، وقد يضطر الولايات المتحدة لأن تقاتل طوال عقدين على الأقل في أربع جبهات: العراق وإيران وأفغانستان وباكستان
"
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات الأميركية الأدميرال ميشيل موللن قد صرح في حديث له مع جيم ليهرر من "بي بي أس" (PBS) جاء فيه ما معناه أنه يحبذ بشدة الضغط المستمر على إيران دبلوماسيا وماليا واقتصاديا، وأنه سيكون شديد القلق من فتح جبهة ثالثة في ذلك الجزء من العالم رغم أن لدى الولايات المتحدة احتياطيات وقوة جوية قوية وأسطولا قويا، وأنه قلق من النتائج غير المقصودة التي يمكن أن تحدث.
كذلك فإن الأدميرال موللن كان قد صرح في مؤتمر صحفي في وقت سابق من شهر يوليو/تموز الماضي بأنه لا يريد جبهة ثالثة، وأنه لا يجد قوات كافية ليرسلها لدعم القوات في أفغانستان التي هي في حاجة شديدة إليها.
وفي مناقشة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية عن المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، حذر برنت سكوكروفت مستشار الرئيس جيرالد فورد وجورج بوش الأب من الحديث عن قذف إيران بالقنابل حاليا أو في وقت تال، وأنه يعتقد أن المفاوضات يجب أن تستمر، وأن العقوبات قد أثرت على طهران.
أما زبجنيو بريجنسكي مستشار الرئيس جيمي كارتر فقد وصف سياسة إدارة بوش بالاحتفاظ بالخيار العسكري بأنها غير مفيدة أو منتجة، وأنه لا يريد أن يعتقد الرأي العام بأن هناك مشروعية لهجوم إجهاضي مسبق، وقال إن هجوما على إيران سيكون كارثيا، وقد يضطر الولايات المتحدة لأن تقاتل طوال عقدين على الأقل في أربع جبهات: العراق وإيران وأفغانستان وباكستان.
من جهة أخرى فقد نشرت نشرة إيرلي بيرد أن مسؤولا في الصناعة العسكرية له اتصال مع إسرائيل قال بأن الإسرائيليين قد أخبروه بأن إدارة بوش ترسل إشارات قوية إلى القدس بألا تضرب إيران حتى انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني القادمة.
عوامل ترجح العمل العسكري
كان هناك إنذار تم توجيهه إلى طهران بأنه ما لم تعلن إيران حتى الثاني من أغسطس/آب الجاري أنها توافق على إيقاف تخصيب اليورانيوم فإن الولايات المتحدة بالتعاون مع بعض الدول الأوروبية ستقوم بفرض سلسلة من العقوبات الكبيرة من بينها وقف إمدادات البنزين ومشتقات النفط المكررة عبر فرض حصار جزئي عليها.
لكن هنا يجب ملاحظة أن كلا من روسيا والصين قد رفضتا تحديد مهلة لإيران للرد على طلب وقف تخصيب اليورانيوم، أي أن فرض العقوبات وبالتالي الحصار سيفتقر إلى موافقة وتفويض مجلس الأمن. كما يمكن لكلتا الدولتين على الأقل تحدي الحصار.
في ضوء ما سبق أجريت في الفترة من 21 حتى 31 يوليو/تموز الماضي مناورات في المحيط الأطلسي حول فرض الحصار الجوي والبحري على إيران مما يؤكد جدية الدول في الاستعداد لفرض الحصار.
"
المناورة الإسرائيلية في الأطلسي اشتملت على أعمال الاعتراض البحري والجوي، والقيام بممارسة الزيارة والتفتيش، والاستعداد للدخول في مواجهة مع القوات المعادية وخاصة الحرس الثوري، والسيطرة على الجزر، وحراسة القوافل، وهو ما يعزز احتمال الضربة العسكرية
"
من جهة أخرى نجد أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس عقدت اجتماعا مفاجئا بأبو ظبي يوم 21 يوليو/تموز الماضي حضره وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن والعراق حيث لا يمكن إلا أن يكون حول الموقف من إيران، وإن كان من المتوقع أن تتحفظ دول الخليج على أي عمل عسكري ضد إيران عموما، ومن خلال أراضيها ومياهها الإقليمية بصفة خاصة.
ومن المعروف أن إسرائيل أجرت مناورة بعدد كبير من الطائرات في البحر المتوسط بالتعاون مع اليونان وأنها كانت تدريبا على مهاجمة أهداف إيرانية، كذلك فإن زيارة كل من وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك لواشنطن وزيارة وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني لواشنطن ومقابلتهما لنظيريهما الأميركيين تشير إلى الاتجاه لعمل عسكري مشترك ضد إيران.
أجريت المناورة في المحيط الأطلسي، وشارك فيها نحو خمسة عشر ألف جندي من الملاحين والطيارين والمارينز الأميركيين وقوات خاصة بريطانية وفرنسية، كما شاركت فيها مجموعات حاملتي الطائرات الأميركية "تيودور روزفلت" و"أيوجيما"، ومجموعة حاملة الطائرات البريطانية "أيلوستريوس"، والغواصة النووية الفرنسية "إيميثيست"، وعناصر قتالية من وحدات النخبة الأميركية JFTEX التابعة لقيادة "القوة البحرية المقاتلة السريعة"، وهي مدربة على القيام بمهام في مناطق وعرة وعلى السواحل الضحلة وعبر الأنهار الضيقة بما يعني أنها ستكلف بالعمل في مياه الخليج الضحلة وفي الجزر المنتشرة في محيط مضيق هرمز للعمل ضد قوات الحرس الثوري وربما داخل إيران نفسها.
كما أن الحاملة "تيودور روزفلت" حملت طائرات فرنسية متطورة من طراز "رافال". وبالإضافة إلى ما سبق فقد شاركت قوات إسرائيلية في المناورة، وإن لم يعلن عن حجمها، ويتوقع أن تشتمل على قوات جوية رمزية محدودة وقوات خاصة.
هكذا فإن المناورة اشتملت على أعمال الاعتراض البحري والجوي، والقيام بممارسة الزيارة والتفتيش، والاستعداد للدخول في مواجهة مع القوات المعادية وخاصة الحرس الثوري، والسيطرة على الجزر، وحراسة القوافل، ومن الطبيعي الاستعداد والتدريب على القصف الجوي إذا لزم الأمر.
من ناحية أخرى قد يكون الحصار البحري والجوي خيارا وسطا بين الحرب الشاملة أو الضربة الجوية، وبين الاستناد إلى إجراءات دبلوماسية فقط، حيث لا يشتمل على إجراء عسكري يمكن أن يصيب أهدافا ويسبب دمارا مباشرا مما يقلل من مخاطر العمل ضد إيران، ويقلل من التعاطف معها عما لو استخدمت القوات الجوية والصاروخية للقصف، وهو بالتالي يحتاج إلى قوات أقل من تلك القوات اللازمة لضربات شاملة ضد إيران، وهو يشدد من قبضة العقوبات المفروضة على إيران ما قد يدفعها لعمل مضاد.
"
هناك صعوبة في فرض حصار على إيران باعتبار طول سواحلها وحدودها وعلاقاتها بدول الجوار بما يختلف تماما عن حالة العراق بعد حرب الكويت، وهناك احتمالات اعتراض كل من الاتحاد الروسي والصين على إجراءات الحصار
"
لكن الحصار البحري كي يكون مؤثرا يحتاج إلى موافقة من مجلس الأمن، وهي ليست مؤكدة مع اعتراض كل من الاتحاد الروسي والصين على تحديد مهلة لإيران، كما أنه يحتاج إلى قبول وتعاون من دول الخليج باعتبار أن رد الفعل الإيراني سيقع عليها سواء عسكريا أو دبلوماسيا، كما أن فرض الحصار قد يحتاج حشدا من القوات (خمسة عشر ألف مقاتل ومجموعتي حاملة طائرات أميركية وأخرى بريطانية) قد تحتاجه الولايات المتحدة وبريطانيا في أماكن أخرى إذا طالت مدة الحصار خاصة أن العراق قد تحمل الحصار لما زاد عن اثني عشر عاما.
ويفترض هذا الخيار رضوخ إيران للحصار وعدم مقاومته عسكريا، وهو أمر غير مؤكد، حيث ينتقل أحيانا إلى مواجهة مسلحة من الصعب التنبؤ بمداها يمكن أن يتحول إلى صراع كامل لا يرى أحد متى ينتهي.
كذلك هناك صعوبة في فرض حصار على إيران باعتبار طول سواحلها وحدودها وعلاقاتها بدول الجوار بما يختلف تماما عن حالة العراق بعد حرب الكويت، كذلك هناك احتمالات اعتراض كل من الاتحاد الروسي والصين على إجراءات الحصار مما قد يخفف من قبضة الحصار أو أن يؤدي إلى الدخول في مواجهة لا يحمد عقباها.
أخيرا فإن مشاركة إسرائيل تؤدي إلى مزيد من إحراج دول الخليج والدول العربية التي يفترض أن تتعاون مع القوات المشاركة في الحصار.
الآثار الناجمة عن الحصار على الدول العربية
يؤدي فرض الحصار غالبا إلى استخدام قواعد غربية في الخليج مما يعني أنه عمل عدائي منها ضد إيران ويؤدي إلى توتر علاقات إيران مع الدول العربية المتعاونة مع الحصار وقد يؤدي إلى أعمال انتقامية ضدها، كما أنه لا بد أن يؤثر بأشكال مختلفة مع قوى عربية على علاقات طيبة مع إيران مثل: سوريا، وحزب الله، والسودان، والعراق ودول الخليج.
كذلك تخشى ردود فعل المتعاطفين مع إيران في العراق والخليج بصفة عامة ومن الشيعة بصفة خاصة، وهنا يبدو الوضع العراقي بصفة استثنائية نتيجة للعلاقات الوثيقة بين النخبة الحاكمة في العراق وإيران مع وجود حجم كبير من القوات الإيرانية في العراق.
"
الأيام القليلة القادمة ستأتي بالجواب عما إذا كان الحصار سيفرض على إيران أم لا، إلا أنه في حال حدوثه فإنه يعني دخول المنطقة والعالم في مرحلة جديدة وخطيرة ربما تعود بالجميع خطوات كثيرة إلى الوراء
"
وتؤدي إلى احتمالات أعمال مضادة للمصالح الغربية عموما في المنطقة وتزداد أهميتها وفقا لعمق العلاقات بين هذه الدول والدول الغربية المشاركة.
إن احتمال التحول إلى صراع كامل الأبعاد لا بد أن يكون له أثره على الاستقرار والتنمية في المنطقة، إذ سيكون باعثا على زعزعة الاستقرار مع وجود حركات معارضة ومتذمرة ومع وجود نظم حكم شمولية.
أخيرا فإن احتمال التأثير على أسعار البترول المرتفعة أصلا وعلى درجة تدفقه ستكون له أبعاده المختلفة، ورغم أن ارتفاع سعر النفط يزيد من عائده، فإن إعاقة تدفقات النفط تقلله وتؤثر على مشروعات التنمية عموما.
ستأتي الأيام القليلة القادمة بالجواب عما إذا كان الحصار سيفرض على إيران أم لا، حيث يستحيل القطع بما يحدث، إلا أنه في حال حدوثه يعني دخول المنطقة والعالم في مرحلة جديدة وخطيرة ربما تعود بالجميع خطوات كثيرة إلى الوراء.
وإذا كان من الممكن تقديم توصية للدول العربية فهي رفض أي تعاون مع مثل هذا الإجراء وإجبار القوى الغربية على الاعتماد على نفسها وعلى قواتها في البحر دون أي دعم من البر العربي.
ــــــــــــــ
خبير عسكري مصري
المصدر: الجزيرة