أعتقد أن هناك وهمًا كبيرًا قد أحاط بمعنى الحياء، وأريد مستعينة بالله أن أدلي بدلوي في محاولة إزالة هذا الوهم الذي أدى إلى بناء سد منيع هائل بين المسلم وبين معرفة دينه في جانب خطير من حياة كل إنسان رجلاً كان أو امرأة، وهذا الجانب يشمل كل ما له صلة بالأعضاء التناسلية أو بالمتعة الجنسية.
الحياء السوي
الحياء في اللغة : تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به.
وفي الشرع : خلق يبعث على اجتناب القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الحق . وقد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث عديدة ترفع من شأن الحياء
- فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه فإن الحياء من الإيمان" رواه البخاري ومسلم.
- وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت" رواه البخاري ومسلم.
- وعن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير".
ونخلص إلى أن الحياء السوي الذي يجله الإسلام، ويأمر به كل مسلم ومسلمة، هو ذلك الخلق الذي يبعث على اجتناب القبيح من الفعال، وهو غير الحياء الأعوج، والأفضل أن نسميه بالخجل المرضي.
و يجدر بنا بداية أن نوضح مفهومين رئيسين: الأول "الإعلام الجنسي أو الثقافة الجنسية" والثاني "التربية الجنسية". الإعلام الجنسي هو إكساب الشخص (الطفل هنا) معلومات معينة عن موضوع الجنس، أما التربية الجنسية فهي أشمل وأعم، حيث تشمل الإطار القيمي والأخلاقي المحيط بموضوع الجنس باعتباره المسئول عن تحديد موقف الشخص من هذا الموضوع في المستقبل.
الثقافة الجنسية؟
تقوم المدارس وبعض الجمعيات في أمريكا بإعداد برامج لتوعية الأطفال والمراهقين بالممارسات الجنسية وكيفية تجنب الآثار غير المرغوب فيها في حالة الممارسات غير الشرعية - كالحمل ؟! وهي تقوم أساسًا على مبدأ حق الطفل في التعرف على جسده، وكيفية إشباع رغباته من جميع النواحي. ومن المواضيع التي تحتوي عليها هذه البرامج: المعاشرة بين الجنسين ، العادة السرية ، الإجهاض ، كيفية ممارسة الجنس الآمن دون خطر الحمل أو الأمراض التناسلية بما فيها الإيدز ، مساعدة المراهق على تحديد اتجاهه الجنسي ، أي تحديد أي الجنسين يفضل أن يعاشر ، العادة السرية كوسيلة للإشباع الجنسي بعد البلوغ ، العلاقات الشاذة كبديل مُرضٍ للعلاقات العادية ، وهذه المواضيع مدرجة في برامج الثقافة الجنسية المطروحة للتدريس.
أما من سن 15 - 18 فيضاف لهم المواضيع التالية: من حق النساء أن يقررن إجراء الإجهاض، من حق الناس احترام تعاليم دينهم وتقاليدهم، ولكن هذا لا علاقة له بحقوق المرء الشخصية، عدم وجود دليل على أن الصور الفاضحة تسبب أي إثارة جنسية، خدمة التواصل مع الشريك الجنسي بشأن الاحتياطات اللازمة لكليهما، تعليم المراهقين كيفية الحوار حول هذه العلاقات والحدود التي يجب التوقف عندها .
وقد أدرجت هيئة الأمم المتحدة برنامج "الثقافة الجنسية" في برامج الصحة الإنجابية والمطلوب تدريسها في مدارسنا لطلابنا المسلمين والمسيحيين على حد سواء ومهما كان من تغيير الأسماء "ثقافة أسرية" أو "ثقافة زوجية" فالمضمون واحد وهو ما عرضناه من مصدره الأساس وهو برامج الأمم المتحدة الرسمية والتي تنفذه عن طريق المدارس والجمعيات، فهل آن لنا أن ننتبه إلى الهدف الحقيقي وراء هذه البرامج حتى لو تم تعديل بعض محتواها لمناسبة مجتمعاتنا المحافظة ؟.
لا شك أن الإسلام له موقفه الوسط من قضية التثقيف الجنسي والتربية الجنسية - كما هو شأنه في جميع الأمور - ، فالوسطية من صفات هذا الدين، قال تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا } . فالإسلام لم يحرم أو يمنع الحديث عن الغريزة الجنسية، وما يلحق بها من مسائل وأحكام فقهيه متعلقة بها، كما أنه لم يجعل الحديث عن هذه الغريزة وما يتعلق بتصريفها، منطلقاً من كل قيد - كما هو الحال في واقع الدول الغربية ومن نحا نحوها، وما تدعو إليه تقارير المؤتمرات العالمية – بل كان تعامله مع هذه الغريزة الجنسية تعاملاً إيجابياً واقعياً فطرياً، فهو لم يلغها، وبالمقابل لم يعطها اهتماماً زائداً عن الحد المعقول.
وكذا الأمر في ما يتعلق بتوجيه المعلمين والآباء لأبنائهم وطلابهم، فالإسلام لم يمنع من مصارحة الأبناء وتثقيفهم في بعض المسائل الجنسية - حسب ما يناسبهم من ناحية الفهم والسن -، المتعلقة بمراحل نمو أجسادهم في مرحلة المراهقة، التي تكون فيها تغيرات جسدية متسارعة، وتتعلق بها أحكام شرعية كثيرة.
التربية الجنسية في الإسلام:
لقد أوجب الإسلام على الآباء والأمهات والمعلمين والمربين، تعليم الولد منذ أن يبلغ الأحكام الشرعية التي ترتبط بنضجه الجنسي.
والذكر والأنثى في هذا التعليم سواء؛ لكونهما مكلَّفَيْن شرعاً، ومسؤولَيْن عن عمليهما. والعلامات الشرعية للبلوغ هي:
1 - إنزال المني بشهوة، بالجماع أو الاحتلام.
2 - ظهور شعر العانة.
وتزيد البنت بعلامتين اثنتين للبلوغ:
الأولى: الحيض، وهو علامة للبلوغ في حق النساء، وذلك بأن ترى دم الحيض يخرج منها، ووقت إمكان خروجه يبدأ من تسع سنين، فإذا حاضت المرأة حكم ببلوغها.
الثانية: الحبل (الحمل): وهو علامة على البلوغ في حق النساء.
فإذا حدثت إحدى هذه العلامات، أصبح الصبي بالغاً، والبنت بالغة، ويجب عليهما ما يجب على الرجال والنساء من أحكام شرعية .
لذا فإن على الأب والمربي أن يعلم الصبي أنه إذا بلغ البلوغ الشرعي، فإنه يجب عليه ما يجب على الكبار من الأحكام الشرعية، وأن عليه أن يحفظ فرجه من الوقوع في الحرام .
كما أن على الوالدين مصارحة البنت وتعليمها إذا حاضت أو ظهرت عليها علامة من علامات البلوغ السابق ذكرها أنها أصبحت مكلفة شرعاً، ويجب عليها ما يجب على النساء البالغات من مسؤوليات وتكاليف.
وهناك أحكام شرعية متعلقة بهذه الفترة، لم يغفلها الإسلام، وإنما أشار إليها بوضوح؛ حتى لا يقع الفتى أو الفتاة في حيرة من أمره - بسبب الحياء أو الجهل - تجاه هذه القضايا، فيتصرف تصرفاً خاطئاً، ومن تلك الأحكام:
1 – الغسل :
أ - أن الولد - سواء أكان ذكراً أو أنثى - إذا رأى على ثوبه بللاً – بعد استيقاظه -، ولم يذكر احتلاماً: فيجب عليه الغسل.
ب - جماع الرجل زوجته يوجب الغسل - حتى وإن لم ينزل -.
ج - انقطاع مدة الحيض والنفاس يوجب الغسل على المرأة.
2 - وهناك أحكام تتعلق بالجنب وذوات الأعذار من النساء، منها:
أ – أن الحائض والنفساء يحرم عليهما الصوم والصلاة، وذلك بالإجماع، وبالنسبة للقضاء فإن الصوم يقضى، ولا تقضى الصلاة .
ب – ويحرم عليهما دخول المسجد والطواف بالكعبة.
ج – يحرم على الأزواج الاستمتاع بالحائض والنفساء.
د – يحرم على الجنب، والحائض، والنفساء مس المصحف، أو قراءة شيء من القرآن الكريم.
هـ – كما يحرم على الجنب الصلاة؛ لما فيها من قراءة القرآن، وكذلك يحرم عليه دخول المسجد والطواف بالكعبة؛ – للأحاديث السابقة في الفقرة ب -.
أما صوم الجنب فصحيح، إلا أنه يأثم إذا أخر الصلاة عن وقتها.
فهذه الأحكام الشرعية وغيرها من الأحكام هي التي ينبغي تعليمها للأولاد ذكوراً وإناثاً؛ حتى يكونوا على بصيرة من أمر دينهم – فيما يتعلق بحياتهم الجنسية الخاصة -.
ولأهمية هذه المسائل الجنسية، ومعرفة أحكامها نجد أن الله - سبحانه وتعالى - قد أشار إليها في كتابه الكريم، كالآيات التي تتحدث عن الاتصال الجنسي، وعن خلق الإنسان وأصله، وعن الفواحش (كالزنى واللواط).
فالآيات القرآنية تتحدث بوضوح عمن يحفظ فرجه، وعمن لا يحفظه، وعن الرفث (الجماع ) ليلة الصيام، وعن المحيض واعتزال النساء فيه، وعن الموضع الذي يكون فيه منبت الولد، وعن طلاق المرأة قبل مسها - أي جماعها -، وعن خلق الإنسان من أخلاط النطفتين الرجل والمرأة، وعن حمل الولد في بطن أمه، ومدة إرضاعه، وعن الزنى وكونه من الفواحش المحرمة، وعن فعل قوم لوط الذين يأتون الرجال شهوة من دون النساء، مخالفين للفطرة السوية، وغيرها من المعاني التي تتصل بالجنس وترتبط بالغريزة .
كما أن الإسلام تحدث عن العلاقات الجنسية بين الزوجين بشيء من التفصيل، فبين ما يحل من ذلك وما يحرم.
إلا أنه يلاحظ - في هذا الجانب - أن للإسلام منهجه الخاص في الإشارة إلى هذه القضايا، ويتلخص هذا المنهج في:
أولاً: التزام الأدب في العبارات الجنسية، فلا يأتي بالعبارات الجنسية صريحة، وإنما يستخدم أسلوب الكناية في ذلك، فمن ذلك استخدام ألفاظ: (( الرفث – القرب – الحرث – المس – اللمس – النكاح – الإتيان )).
ثانياً: الأسلوب الوقائي في تجنب الأسباب المعينة على الوقوع في الاتصال الجنسي المحرم. فمن ذلك:
1 – الأمر بغض البصر:
2 – تحريم الخلوة بالأجنبية:
3 – النهي عن الملامسة بين الرجل والمرأة:
4 – الأمر بالاستئذان:
5- الحجاب الشرعى للنساء.
وغير ذلك من أمور الوقاية.