أهمية صلاة الاستخارة
السؤال : اسمحوا لي بهذا السؤال ، أحب أن أسأل لأريح عقلي ، وكثير من تحدثهم نفسهم بهذه الوساوس ، وتعم الفائدة إن شاء الله على من يقرؤه . كثيرا ما نسمع عن صلاة الاستخارة ، لكن لا نعمل بها إلا في حالات نادرة . وقد نصلي وهناك بعض الشك في قلوبنا ؛ لأننا لا نعرف أهميتها . وأحيانا يجول في خواطرنا بأن قضاء الله هو الذي سيحدث ، فما الفائدة من السؤال والدعاء والسعي ؟ أخبروني عن صلاة الاستخارة .
الجواب :
الحمد لله
أهمية صلاة الاستخارة تكمن في أوجه ثلاثة :
الوجه الأول : تجريد الافتقار إلى الله ، ونفي العلائق إلا بالله ، وتحقيق التوكل عليه سبحانه وتعالى ، وتفويض الأمور إليه ، وهي كلها معان سامية من معاني التوحيد والإسلام ، تساعد صلاة الاستخارة في تحقيقها ، وتعين على قيامها ، خاصة لمن اعتاد اللجوء إليها ، واستشعر في قلبه حقيقتها وحكمة تشريعها .
الوجه الثاني : الفلاح في الاختيار ، والنجاح في الأمر ، والتوفيق في السعي ، فمن فوض أمره إلى الله كفاه ، ومن سأل الله بصدق أعطاه حاجته ولم يمنعه .
يقول الغزالي في "إحياء علوم الدين" (1/206) :
" قال بعض الحكماء : من أُعطي أربعا لم يُمنع أربعا : من أُعطي الشكر لم يُمنع المزيد ، ومن أُعطي التوبة لم يُمنع القبول ، ومن أٌعطي الاستخارةَ لم يُمنع الخِيَرة ، ومن أُعطي المشورة لم يُمنع الصواب " انتهى .
أما حديث : ( ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ) فهو حديث موضوع ، انظر "السلسلة الضعيفة" (611) للشيخ الألباني .
الوجه الثالث : الرضا بالقضاء ، والقناعة بالمقسوم ، فمن استخار الله تعالى في شأنه لم يندم على خياره ، وقام في قلبه من الطمأنينة واليقين ما يدفع عنه كل هم أو حزن يحصل في اختياره ، وهذا الوجه من أعظم الفوائد التي تجنيها صلاة الاستخارة في قلب العبد .
روى ابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله بقضائه" (92) وغيره بسنده عن وهب بن منبه قال :
" قال داود عليه السلام : رب ! أي عبادك أبغض إليك ؟ قال : عبد استخارني في أمر ، فخرت له ، فلم يرض به " انتهى .
يقول ابن القيم رحمه الله في "الوابل الصيب" (157) :
" كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول : ما ندم من استخار الخالق وشاور المخلوقين وثبت في أمره " انتهى .
ويجمع هذه الحِكَمَ والفوائدَ جميعها العلامة ابن القيم في شرح رائع لأهمية صلاة الاستخارة فيقول – كما في "زاد المعاد" (2/442) - :
" وعوضهم بهذا الدعاء – دعاء الاستخارة - الذي هو توحيد وافتقار وعبودية وتوكل وسؤال لمن بيده الخير كله ، الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو ، ولا يصرف السيئات إلا هو ، الذي إذا فتح لعبده رحمة لم يستطع أحد حبسها عنه ، وإذا أمسكها لم يستطع أحد إرسالها إليه من التطير والتنجيم واختيار الطالع ونحوه ، فهذا الدعاء هو الطالع الميمون السعيد ، طالع أهل السعادة والتوفيق ، الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، لا طالع أهل الشرك والشقاء والخذلان الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون .
فتضمن هذا الدعاء الإقرار بوجوده سبحانه ، والإقرار بصفات كماله من كمال العلم والقدرة والإرادة ، والإقرار بربوبيته ، وتفويض الأمر إليه ، والاستعانة به ، والتوكل عليه ، والخروج من عهدة نفسه ، والتبري من الحول والقوة إلا به ، واعتراف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها ، وإرادته لها ، وأن ذلك كله بيد وليه وفاطره وإلهه الحق ، وفى "مسند الإمام أحمد" من حديث سعد بن أبى وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله )
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفا بأمرين : التوكل الذي هو مضمون الاستخارة قبله ، والرضا بما يقضى الله له بعده ، وهما عنوان السعادة . وعنوان الشقاء أن يكتنفه ترك التوكل والاستخارة قبله ، والسخط بعده .
والتوكل قبل القضاء ، فإذا أبرم القضاء وتم انتقلت العبودية إلى الرضا بعده ، كما في "المسند" ، وزاد النسائي في الدعاء المشهور : ( وأسألك الرضا بعد القضاء ) .
وهذا أبلغ من الرضا بالقضاء ، فإنه قد يكون عزما فإذا وقع القضاء تنحل العزيمة ، فإذا حصل الرضا بعد القضاء ، كان حالا أو مقاما .
والمقصود أن الاستخارة توكل على الله ، وتفويض إليه ، واستقسام بقدرته وعلمه ، وحسن اختياره لعبده ، وهى من لوازم الرضا به ربا ، الذي لا يذوق طعم الإيمان من لم يكن كذلك ، وإن رضى بالمقدور بعدها ، فذلك علامة سعادته " انتهى .
والله أعلم .