وصي رجل أن يدفن عند وفاته مع زوجته في مقابر أهلها وعندما توفي رفض إخوته ودفنوه في مقابر عائلته فهل هذا حرام؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلا يخلو الحال الذي ذكرت من أحد احتمالين الأول: أن تكون هذه المقابر خاصة بأهل زوجة هذا الرجل أي مملوكة لهم فعليه لا يصح أن يتصرف الإنسان في ملك غيره إلا بإذنه، وحيث إن هذا الرجل أوصى بدفنه في مقبرة غيره فهي وصية باطلة إلا إذا أجاز ذلك مالك الأرض، سواء كانوا هم أهل زوجة هذا الرجل الميت أو غيرهم.
قال البهوتي في كشاف القناع: ويحرم دفن في ملك غيره بلا إذن ربه للعدوان وللمالك إلزام دافنه بنقله ليفرغ له ملكه عما شغله به بغير حق. اهـ.
والاحتمال الثاني: أن تكون تلك المقابر عامة موقوفة لعموم المسلمين فالوصية صحيحة، ولكن مع صحتها أو مع حصول إذن مالك المقبرة في الحالة الأولى فإنه لا يجب على الورثة تنفيذها إذ لا يجب عليهم إلا تنفيذ ما يتعلق بوصية ميتهم في ماله (تركته) في حدود الثلث أو في أداء ما عليه من حقوق، وإنما ينبغي لهم ذلك إن أمكن لأنه من الإحسان إلى ميتهم.
وجاء في فتاوى الازهر: الوصية هي التصرف المضاف لما بعد الموت كالوصية ببناء مسجد من ماله بعد موته أو الوصية لولده بحفظ القرآن ونحو ذلك.
وتنفيذ الوصية يكون فيما ليس فيه ظلم أو خروج على المصلحة المشروعة وهذا التنفيذ مطلوب قال تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ {البقرة:181} لكن ذلك كله في الشيء الواجب فيكون التنفيذ واجبا، وفي المندوب يكون التنفيذ مندوبا، وفي غير ذلك فلا تنفيذ لأي عهد. وعلى هذا فإن تنفيذ الوصية بالدفن في مكان معين يكون من البر إن كان لهذا المكان ميزة كفضل البقعة أو القرب من الأهل لسهولة الزيارة. اهـ
قال النووي في الأذكار: وينبغي ألا يقلد الميت ويتابع في كل ما وصى به بل يعرض ذلك على أهل العلم، فما أباحوه فعل ومالا فلا، وأنا أذكر من ذلك أمثلة فإذا أوصى بأن يدفن في موضع من مقابر بلدته وذلك الموضع معدن الأخيار يعني بجوار الصالحين فينبغي أن يحافظ على وصيته، وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون، وصرح به المحققون، وقيل مكروه، قال الشافعي رحمه الله: إلا أن يكون بقرب مكة أو المدينة أو بيت المقدس فينقل إليها لبركتها. اهـ
والله أعلم.