السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
"كذبت قوم لوط المرسلين..إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون"
بهذا الرفق والود دعا لوط قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له.
"ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم من أحد من العالمين..إنكم لتأتون الرجال شهوةً من دون النساء بل أنتم قومٌ مسرفون"
لم يقل الحق في هذه الآيات أخاهم لوط وذلك لأن سيدنا لوط لم يكن من هذا المكان ، فسيدنا لوط هو وسيدنا إبراهيم كانا من مدينة بعيدة ، ثم جاء سيدنا لوط إلى هذا المكان فراراً من الإضطهاد ، وعاش مع هؤلاء القوم فترة فعرفوا أخلاقه وصفاته وأنسوا به.
كان هؤلاء القوم يفعلون الفاحشة وهي المبالغة في القبح ، ولم يفعلها أحد من قبل ، وكانوا يتجاوزون الحد في البعد عن شريعة الله تعالى .وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى
"ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون..أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون"
تبصرون أي تتعالمون بها وتجهرون وهذا يدل على أن الكل مجمع على هذه الفاحشة وفي آخر الآية يقول الله تعالى "بل أنتم قوم تجهلون" والجهل هنا ليس معناه أنهم لا يعلمون ولكن عكس العلم هو الأميّة ، أما الجاهل فعنده قضية مخالفة باطلة ، ولذلك يجب نزع القضية الباطلة ثم إدخال قضية الحق وهذا يحتاج لجهد كبير ، فالذي يتعب العالم هو الجاهل وليس الأمي.
ولم يؤمن مع سيدنا لوط أحد..لم يؤمن به إلا أهل بيته ..حتى أهل بيته لم يؤمنوا به جميعاً فقد كانت زوجته كافرة مثل زوجة سيدنا نوح..
"وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون..فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين".
قالوا الحل أن نخرج لوط وقومه من القرية لأنه جاء ليفسد علينا ما نفعله .
(2)
"ولما جاءت رسلنا لوطاً سئ بهم وضاق بهم ذرعاً وقال هذا يوم عصيب..وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات"
خرج الملائكة من عند سيدنا إبراهيم بعد أن بشّروه بإسحق ومن ورائه يعقوب ، وقالوا لسيدنا إبراهيم أنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط ، ولما وصلوا عند سيدنا لوط كان ضيق الصدر خائفاً عليهم من القوم وفسادهم وأسرعت امراته وأبلغت قومها عن ضيوف لوط فأتوا إلى داره ولكنه نصحهم وحاول أن يلمس جانب التقوى فيهم فقال لهم ..
"وقال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد"
ولكنهم كانوا منحرفين قلوبهم جامدة وعقولهم مريضة ورفضوا نصيحته . شعر سيدنا لوط بالألم وتمنى أن يأوي إلى مكان بعيد ، إلى ركن الله يحتمي فيه ، فلما بلغ الضيق ذروته تحرك ضيوفه ونهضوا وأفهموه أنهم ملائكة وأن قومه لن يصلوا إليه ، وأصدروا أوامرهم إلى لوط بأن يصحب أهله أثناء الليل ويخرج وسيسمعون أصواتاً مروعة تزلزل الجبال فلا يلتفت منهم أحد كي لا يصيبه ما يصيب القوم ، وأفهموه أن امرأته كافرة وستلتفت خلفها فيصيبها ما يصيب قومها..وقالوا له أن موعد العذاب في الصبح.
ماذا حدث بعد ذلك لقوم لوط ؟ يقول الحق تبارك وتعالى :
"وأمطرنا عليهم مطراً فانظر كيف كان عاقبة المجرمين"
والمطر عادة يأتي بالخير ، ولكن هذا المطر لم يكن خيراً بل كان حجارة انهالت عليهم من السماء ..
"فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود..مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد"
أي قلبت رأساً على عقب ،ومنضود بمعنى منظمة ، فهي حجارة معدّة من قبل وتنتظر أمر ربها ، ومسومة أي معلمة كل حجر ينزل على صاحبه..وليحذر كل ظالم ، فإن عقوبة الله ليست ببعيدة عنه ولا هو بمنأى عنها.
......................................................................................................