السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
لم يكد عيسى الوليد ينتهي من كلماته وهومازال في المهد حتى كانت وجوه الكهنة والأحبار ممتقعة وشاحبة..كانوا يشهدون معجزة تقع أمامهم..طفل يتكلم في المهد..طفل جاء بغير أب..طفل يقول أن الله قد أتاه الكتاب وجعله نبياً..هذا يعني أن سلطتهم في طريقها إلى الإنهيار ، ولن يستطيع أي منهم أن يبيع الغفران للناس أو يحكمهم عن طريق ادعائه أنه ظل السماء على الأرض.
تكتم رهبان اليهود قصة ميلاد المسيح وكلامه في المهد واتهموا مريم العذراء ببهتان عظيم رغم أنهم عاينوا بأنفسهم معجزة كلام ابنها في مهده...
رغم كل هذا تسربت أنباء قصة ميلاد عيسى إلى الحاكم الروماني هيرودوس ، وكان يحكم اليهود والفلسطينيين بقوة السيف والخوف وكثرة الجواسيس..ووصلت إليه أنباء عن الطفل الذي ولد بغير أب ويتكلم في المهد ، فعقد اجتماع مع كبار ضباطه وجواسيسه وأمرهم بمعرفة القصة كاملة فقد كان كل خوفه على سلطان روما الذي يمثله . وخوفاً من بطش الملك فرت السيدة مريم بوليدها من فلسطين إلى مصر حيث عاش عيسى عليه السلام طفولته وصباه ، ثم حدث أن مات هيرودوس فعادت السيدة مريم وعيسى عليه السلام إلى فلسطين ولكن هذه المرة إلى مدينة الناصرة وليس إلى أورشليم.
(2)
في هذه القرية نشأ الصبى عيسى وتعلم النجارة وتعلم القراءة والكتابة ، وكان أطفال القرية يقبلون عليه ليستمعوا إلى قصصه وكان عيسى عليه السلام يحاول بقصصه أن يغرس في نفوسهم المحبة ويعلمهم أصول الدين خالصة من البدع الشائعة ، واتخذ من التوراة أساساً لتعليمه ، فلقبه الناس بالمعلم الأمين.
كبر عيسى وبلغ سن الشباب وخرج يوماً من بيته في طريقه إلى المعبد اليهودي ، وكان اليوم السبت واليهود يخصصون هذا اليوم للعبادة ، ولكن ذهبت الحكمة من احترام يوم السبت وبقى يوم السبت نفسه ميداناً لتطبيق النصوص الحرفية الجامدة ، وتصور المحافظون على الشريعة أن الغرض الأسمى من وجودهم هو إقامة الأسوار التي تصون الشريعة ، ورغم ذلك نراهم على استعداد تام لابتداع الحيل التي تمكنهم من التخلص من أحكام الشريعة في الوقت المناسب والتي تتعارض مع مصالحهم الشخصية.
دخل عيسى عيه السلام المعبد وكلما أدار وجهه يجد الكهنة ، منهم اللاويون والفريسيون والصدوقيون بملابسهم المزركشة والمختلفة ، ولاحظ سيدنا عيسى أن عدد زوار الهيكل أقل من عدد الكهنة ورجال الدين ، وكان المعبد يمتلئ بالقرابين التي تذبح وتحرق وهناك آلاف من الفقراء يموتون جوعاً خارج المعبد ، فانصرف سيدنا عيسى وخرج من المدينة كلها إلى الجبل.
كان صدره يشتعل بغيرة مقدسة على الحق وبدأ يصلي وطالت وقفته وانهمرت دموعه ، وفي هذه الليلة نزل الوحي على عيسى ابن مريم وصدر له أمر الله تبارك وتعالى أن يبدأ دعوته...
(3)
بدأت رحلة عيسى بن مريم... رحلة الشقاء المليئة بالألم..
أراد عيسى عليه السلام أن يفهم قومه أن الشريعة الحقيقية هي التسامح والعفو ، فشريعة سيدنا موسى تقول من ضربك على خدك الأيمن فخذ حقك منه واضربه على خده الأيمن أما اليهود فيطبقون شريعة القصاص..إذا كان المضروب قادراً ، نسف بيت الضارب ولم يكتف بضربه على خده الأيمن ، أما إذا كان غير قادر ..ضربه على خده الأيمن وامتلأ قلبه بالحقد لأنه لم يدمر بيته.
جاءت شريعة عيسى عليه السلام نقضاً لما استحدثه الفريسيون والصدوقيون في شريعة موسى عليه السلام وإحياءً لحقيقة هذه الشريعة وأهدافها العليا.
وتميزت دعوة سيدنا عيسى من بدايتها إلى نهايتها بالشفافية والنقاء البالغين ، وهي دعوة تعتبر دستوراً للسلوك الفردي وليست نظاماً للحياة وقانوناً للمجتمع وتشريعات محددة .
(4)
"إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيراً بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين"
تحدد الآيات السابقة خمس معجزات لسيدنا عيسى
الأولى : تكليمه للناس في المهد.
الثانية:تعليمه التوراة ..وكانت التوراة التي أنزلت على موسى قد اختفت تحت ركام التحويرات والتفسيرات المتعاقبة لفقهاء اليهود.
الثالثة:تصويره من الطين كهيئة الطير ثم النفخ فيه فيكون طيراً.
الرابعة:احياؤه الموتى.
الخامسة:ابراؤه الأكمه وهو من ولد أعمى والأبرص هو المريض بجلده ولا شفاء له.
وهناك معجزة سادسة يذكرها القرآن الكريم في سورة المائدة..
"إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين..قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين..قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين..قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين"
وكأن المعجزة السادسة هي إنزال المائدة من السماء بطلب الحواريين
وهناك معجزة سابعة وردت في سورة آل عمران ، وهي إخباره عليه السلام بأمور غائبة عن حسه ، فقد كان ينبئ صحابته وتلاميذه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم..
"وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين"
هذه هي معجزاته السبع تسبقها معجزة ميلاده من غير أب....وتليها معجزة رفعه من الأرض حين حاولت السلطات الحاكمة صلبه..