حكم عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل "عبارة يقرؤها المستهلك يومياً في الأسواق والمحلات التجارية يكتبها الباعة الذين يجهلون أحكام البيع والشراء على فواتير الشراء وبعض اللوحات داخل المحلات دون العلم بشرعيتها وحيث أن هذه العبارة تترك لدى المستهلك العادي انطباعاً بشرعيتها وبالتالي تعرض المستهلك للغش والتدليس بعد عمليه الشراء إذا ما ظهر عيب بالمبيع سواء أكان هذا العيب ظاهراً أو خفياً فالمستهلك لن يحاول رد المبيع أو استبداله بناءاً على هذه العبارة اعتقاداً منه بشرعيتها وحيث أن هذه العبارة أصبحت متداولة بين الباعة وحق مكتسب لهم ولما كان الوضع كذلك لذا كان حري بنا أن نوضح للمستهلك أوجه عدم شرعية العبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل " ومخالفتها للشرع والنظام .
أولاً : حكم العبارة شرعاً ؟
روي عن عمر بن الخطاب أنه قال:" لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين " . رواه الترمذي (487) ويستنج من ذلك أن البائع عليه أن يعلم الأصول والأحكام الشرعية في البيع والشراء وما لأهمية الصدق والتبيان في التعامل بين الناس من أسبب للبركة في البيع والشراء وحيث أن الأصل في المعاملات الحل لا التحريم ، وهو قول جمهور أهل العلم ، والأدلة على ذلك كثيرة ، فقد قال شيخ الإسلام في " الفتاوى " (28/386) : " والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه وفي هذا الصدد إذا فرضنا أن المشتري بعد أن انتهى من شراء المبيع وأنصرف ، ذاهباً إلى بيته ،وقد ظهر له عيبا في السلعة التي اشتراها من البائع ففي هذه الحالة ورد في كتاب البيوع باب : " أحكام الخيار في البيع " ويقصد بخيار العيب : أي الخيار الذي يثبت للمشتري بسبب وجود عيب في السلعة لم يخبره به البائع ، أو لم يعلم به البائع , لكنه تبين أنه موجود في السلعة قبل البيع وأدلته :من القرآن : قال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } [ النساء : 29 ] .ومن السنة : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها إن شاء أمسك ، وإن شاء ردها وصاع تمر » رواه البخاري (2148) ، ومسلم (1524)
إذاً فعبارة: " البضاعة المباعة لا ترد " مخالفة لخيار العيب ، مما يعطي للمشتري الحق في إعادة السلعة وأخذ رأس ماله كاملا لأنه قد تعرض لغش أو تدليس من قبل البائع أو أن البائع حسن النية ولا يعلم مافي البضاعة من عيب ظاهر أو خفي وفي هذا الصدد من اللجنة الدائمة فتوى بخصوص هذه العبارة برقم (17388) وتاريخ 15 / 11 / 1415 هـ ونصها كما يلي :
السؤال : الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / د . عبد المحسن الداوود . والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (3577) وتاريخ 17/8/1415هـ. وقد سأل المستفتي سؤالا هذا نصه : ( ما حكم الشرع في كتابة عبارة (( البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل )) . التي يكتبها بعض أصحاب المحلات التجارية على الفواتير الصادرة عنهم . وهل هذا الشرط جائز شرعا . وما هي نصيحة سماحتكم حول هذا الموضوع .
الجواب : وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن بيع السلعة بشرط ألا ترد ولا تستبدل لا يجوز لأنه شرط غير صحيح لما فيه من الضرر والتعمية ولأن مقصود البائع بهذا الشرط إلزام المشتري بالبضاعة ولو كانت معيبة واشتراطه هذا لا يبرؤه من العيوب الموجودة في السلعة لأنها إذا كانت معيبة فله استبدالها ببضاعة غير معيبة أو أخذ المشتري أرش العيب ولأن كامل الثمن مقابل السلعة الصحيحة وأخذ البائع الثمن مع وجود عيب أخذ بغير حق .
ولأن الشرع أقام الشرط العرفي كاللفظي وذلك للسلامة من العيب حتى يسوغ له الرد بوجود العيب تنزيلا لاشتراط سلامة المبيع عرفا منزلة اشتراطها لفظا . وبالله التوفيق .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ....
ثانياً : حكم العبارة نظاماً ؟
ذهبت الأنظمة الوضعية في هذا الصدد متفقة مع ما تقضي به الأحكام الشرعية في اغلب الدول فجاءت بعض نصوص القوانين الوضعية على النحو التالي:
نص المادة ( 449 ) من التقنين المدني المصري على : -
1- إذا تسلم المشتري المبيع وجب عليه التحقق من حالته بمجرد أن يتمكن من ذلك وفقاً للمألوف في التعامل فإذا كشف عيباً يضمنه البائع وجب عليه أن يخطره به خلال مدة معقولة فإن لم يفعل اعتبر قابلاً للمبيع .
2- أما إذا كان العيب مما لا يمكن الكشف عنه بالفحص المعتاد ثم كشفه المشتري وجب عليه أن يخطره به البائع بمجرد ظهوره وإلا أعتبر قابلاً للمبيع بما فيه من عيب .
ويخلص من ذلك وجوب مبادرة المشتري بإخطار البائع بالعيب عند كشفه لأن ضمان العيب الخفي قائم على عدم التراخي في اتخاذ الإجراءات للازمة لإثبات العيب لأن الإبطاء في ذلك من شأنه أن يجعل إثبات العيب عسيراً وقد تتعذر معرفة منشأة وهل كان موجوداً عند التسليم أو حدث بعده فينفتح باب المنازعات ويتسع المجال للإدعاءات أما في حال قيام المشتري بإخطار البائع بالعيب في الوقت الملائم كما ذكرنا بعاليه فيتعين في هذه الحالة النظر إلى أمرين :
الأمر الأول : إذا كان العيب جسيماً فيكون المشتري مخيراً بالفسخ أو إبقاء البيع مع التعويض عن العيب طبقاً لما تقضي به القواعد العامة فيعوض المشتري عما أصابه من خسارة وما فاته من كسب بسبب العيب .
الأمر الثاني : إذا لم يكن العيب جسيماً فلا يكون للمشتري إلا التعويض ويزيد التعويض وينقص تبعاً لما إذا كان البائع سيء النية أي يعلم بالعيب أو حسن النية لا يعلم بالعيب .
وقد توجهت العديد من الدول إلى إلزام البائعين بإلغاء هذه العبارة وعدم العمل بها ففي حديث صحفي قالت سعاد الديب نائب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك في مصر إن قلة الوعي والثقافة الاستهلاكية مشكلة تواجه كافة المجتمعات العربية وذكرت أنه من أولى الخطوات التي قام بها جهاز حماية المستهلك المصري بعد تأسيسه تغير العبارة المعهودة (البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل) وأجبرنا المتاجر على استبدال البضاعة خلال موعد أقصاه 14يوماً وتغييرها إن وجد خلل بالمنتج والحق في استرداد القيمة المدفوعة من ذلك نتوجه لوزارة التجارة ممثلة في لجنة حماية المستهلك بمحاكاة مصر فيما ذهبت إليه في هذا الصدد والعمل على نشر الوعي والثقافة الاستهلاكية للمواطن السعودي سواء عن طريق التلفاز أو الإعلانات الدعائية على اختلافها بصورة تتلاءم مع طبيعة الحالية للمجتمع السعودي على أن تتكاتف كل من اللجنة والمستهلك سوياً للقضاء على جشع بعض التجار المتلاعبين بمصالح المستهلك .
بقلم / المستشار العام