السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
ثمود قبيلة كانت تسكن بالحجر وتقع بين الحجاز والشام وهي من القبائل التي تناسلت من ذرية قوم نوح عليه السلام وهم المؤمنين الذين أنجاهم الله من الطوفان..سكنت ثمود بوادٍ أرضه خصبة ،تنبع فيها عيون ويأتي نباتها بمحصول وافر عميم الخير ، وبنوا فيها بيوتاً وقصوراً وفي فجواتها وكهوفها نقروا مساكن رحبة فسيحة.
عاشت ثمود في جنتهم هذه هانئين مترفين ،مضى عليهم الزمان وتتابعت الأجيال فأبطرتهم النعمة وأضلتهم عن سواء السبيل ،فأشركوا بالله واتخذوا لهم أصناماً يشركونها معه في عبادته ،حتى بعث الله لهم من بينهم نبيهم صالح عليه السلام.
أمر الله سيدنا صالح بالخروج إلى قومه ودعوتهم إلى الإيمان وهدايتهم إلى طريق الحق ،ولكن سخر منه قومه وانصرفوا إلى لهوهم غير مبالين به.
لم ييأس صالح عليه السلام فدأب على ملاحقة قومه بدعوته وثابر على نهيهم عن الإشراك بالله وحذّرهم عاقبة أمرهم ووجه نظرهم إلى أن الله هو الذي أنشأهم من الأرض واستعمرهم فيها ، فأنصت له نفر منهم واستجابوا له وآمنوا برسالته وكان أكثرهم من فقراء القوم ومستضعفيهم ،أما أشرافهم وكبراؤهم فقد طغوا وبغوا وأشاحوا بوجههم عنه..
"وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب..قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد ءاباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب"
وقال كبير منهم :أؤلقي الذكر عليه من بيننا ..إنه كاذب ،وبدأ هؤلاء المعارضون بالتأثير على الضعفاء الفقراء الذين تأثروا بدعوة صالح واتبعوه فقالوا لهم :لم اتبعتم صالحاً ؟ أجابوا :لأن صالحاً دعانا لما رأينا أنه الحق ،ونهانا عما تأكدنا أنه الباطل. قال القوم ساخرين :أعلمتم أن صالحاً مرسل من ربه ؟ أجاب المؤمنون :إنا بما أرسل به مؤمنون. قالوا وقد أحنقهم القول :إنا بالذي آمنتم به كافرون. ثم دعوا صالحاً وقالوا له :يا صالح لقد كنت فينا مرجواً قبل هذا ،أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا ؟قال سيدنا صالح :إنما بعثني الله إليكم لأخرجكم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الهداية والإيمان ولأجنبكم عذاب النار...هذه نعم كثيرة أنعم الله بها عليكم فاذكروها واعترفوا بفضله ولا تفسدوا في أرضه..قالوا له :أتطمع في مال أم في مركز بيننا ؟ قال :أني أدعوكم لوجه الله خالصاً لا أسألكم أجراً إنما أجري على الله الذي خلقني وخلقكم .قالوا : يا صالح إنك ساحر ما أنت ببشر مثلنا فقل لنا ما الذي يدلنا على أنك مرسل من ربك ؟ قال سيدنا صالح :ما هي البيّنة التي تريدون أن آتي بها لكم لتصدقوني ؟قالوا :ائتنا بناقة عشراء حمراء كحلاء كبيرة الحجم يشرب من لبنها كل أهل المدينة .قال صالح :سأسأل ربي وأدعوه أن يأتيني بهذه الناقة .
(2)
دعا صالح ربه فاستجاب له وخرج القوم ينظرون إلى آية الله وناقته ..فصدقه وآمن معه القليل وبغى بعضهم ووصفوه بالساحر قال لهم صالح :هذه ناقة الله لكم آية فاتركوها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء وإلا أصابكم عذاب أليم..والماء قسمة بينكم وبينها :لكم شرب يومٍ ولها شرب يوم.
"كذبت ثمود المرسلين..إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلا على رب العالمين..أتتركون فيما هاهنا آمنين..في جنات وعيون..وزروعٍ ونخلٍ طلعها هضيم..وتنحتون من الجبال بيوتاً فارهين..فاتقوا الله وأطيعون..ولا تطيعوا أمر المسرفين..الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا إنما أنت من المسحرين..ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين..قال هذه ناقة لها شربٌ ولكم شرب يومِ معلوم..ولا تمسوها بسوءِ فيأخذكم عذاب يومِ عظيم"
عاشت الناقة بين ربوعهم ،فكانت ترعى من كلأ الأرض وترد الماء في يومها المعلوم حتى إذا جاء اليوم الثاني اعتزلت الماء فيقبل الناس على الماء يأخذون منه حاجتهم لليوم واليوم الذي يليه ،ثم يقبلون على الناقة وقد أتت بفصيلها فيحلبونها ويشربون منه جميعاً..فرح الفقراء بالناقة وسخط عليها أغنياء القوم وشق عليهم أن يكون صالح هو هاديهم ،واتفقوا على قتل الناقة. أوحى الله إلى صالح ما أضمره القوم فجاءهم وقال لهم :لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم تُرحمون .فأشاح الذين كفروا عنه وقالوا له لقد تشاءمنا بك وبمن معك ،فقال لهم :تشاؤمكم على أنفسكم لو كنتم تعلمون.
"قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون..قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون..وكان في المدينة تسعة رهطٍ يفسدون في الأرض ولا يصلحون..قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون..ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون"
(3)
اجتمع تسعة من سفهاء ووقحاء المدينة ،عتاة قساة غلاظ القلوب وتشاوروا فيما بينهم كيف يختارون الشخص الذي يقتل الناقة. وجاء اليوم الذي حددوه لعقر الناقة وأتوها وهي على مورد مائها تشرب فأهوى أحدهم على ساقها بسيفه فخرت ساقطة على الأرض فطعنها في رقبتها فقتلها ، هلل الناس وقالوا :ليأتنا صالح بما وعدنا إن كان من المرسلين..
علم سيدنا صالح بما حدث فحزن حزناً شديداً وطلب من المؤمنين أن يدركوا إبن الناقة ولكن الأشقياء كانوا قد جروا وراءه وأدركوه وقتلوه.
لما سمع صالح بعقر ابن الناقة قال :تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب وانصرف عنهم.
"فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب..فلما جاء أمرنا نجينا صالحاً والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذٍ إن ربك هو القوي العزيز..وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين..كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود"
(4)
ذعر القوم لما علموا أن أمامهم ثلاثة أيام فقط ،وجلسوا ينتظرون ما سيحل بهم..وجاء ما كانوا ينتظرون فما كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم من هول دويها جاثمون ،وقد زلزلت الأرض من تحتهم فصرعتهم الرجفة وهم ينظرون..وغادر صالح والذين آمنوا معه المدينة ونظر سيدنا صالح آسفاً وقال لقد حذرتكم وأنذرتكم ..لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين.
.......................................................................................................