السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(1)
رست سفينة نوح عليه السلام على جبل الجودي ،ولما جفت الأرض نزل المؤمنون منها يسعون للرزق ،فعمروا الأرض وتزوجوا وكثر عددهم وتفرقوا جماعات جماعات ،وكل جماعة اختارت لها مكاناً أقامت به وعاشت على خيراته.
كان من هذه القبائل المهاجرة قبيلة يمتاز رجالها ونساؤها بضخامة الجسم وتسمى قبيلة عاد وهوإسم زعيمهم وكان ضخم شديد القوة ظل يسير بقومه حتى انتهى بهم إلى جبال الأحقاف ما بين اليمن وخليج عُمان حالياً.
أعد قوم عاد لهم مكاناً للإقامة وزرعوا الأرض وكثرت الخيرات ،ومرت أعوام وأعوام فمات عاد وبقى قومه وأولاده وعاشوا في نعمة عظيمة وكان الله تعالى يرسل إليهم السحب بالأمطار فتروي الزرع والحيوان وتوافرت عندهم فواكه لم يوجد مثلها في أي مكان ،فعاش القوم وزادتهم هذه النعمة طولً وضخامة فكانوا ذوي بأس شديد ،وتركوا الأرض إلى الجبال فنحتوا لهم مساكن واسعة كبيرة وأنشأوا مصانع لتسوية الأحجار وصنعوا منها أدوات الحرب والصيد وكل ما يحتاجون إليه في أعمالهم ومعيشتهم.
"كذبت عاد المرسلين..إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون..إني لكم رسول أمين..فاتقوا الله وأطيعون..وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين..أتبنون بكل ريع آية تعبثون..وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون..وإذا بطشتم بطشتم جبارين..فاتقوا الله وأطيعون"
بمرور الزمن نسى قوم عاد عبادة الله ، وعبدوا الأصنام فصنعوا من الحجارة تماثيل كبيرة وكانوا يسجدون لها من دون الله ويقدمون لها القرابين كي ترضى عنهم وتسقط عليهم الأمطار وتمنع عنهم السوء..ثم بنوا مدينة كبيرة عظيمة عند سفح الجبل لم يخلق الله مثلها في البلاد ،وسموها إرم ذات العماد فكانت شوارعها متسعة وقصورها شامخة مزينة بأعمدة ضخمة ونقوش جميلة.وعاشوا على خيرات واديهم وكانوا يصيدون القوافل التي تمر بهم فيقتلون أصحابها وينهبون تجارتها .
عاش في هذه المدينة رجل من قوم عاد اسمه هود ،ولكنه لم يكن مثلهم ،فنشأ بينهم نشأة الصالحين وكان محباً للخير والسلام وحاول نصحهم وسعى إلى إصلاحهم ولكنهم كانوا يسخرون منه .
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد..إرم ذات العماد..التي لم يُخلق مثلها في البلاد"
(2)
غضب الله على قوم عاد فمنع عنهم المطر عاماً كاملاً ،حتى جف الزرع ومات الحيوان ،فأصابتهم المجاعة ولم يزدهم ذلك إلا فساداً في الأرض وتقرباً للأصنام.
وكان هود عليه السلام يحقّر أصنامهم ويحاول هدايتهم فيتركونه غاضبين عليه ويلجأون للأصنام يستسقون.
اختار الله تعالى هود عليه السلام نبياً وبعثه رسولاً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وحده لا شريك له ،ذهب هود إلى قومه ووجه إليهم كلامه :يا قوم إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعوني ..يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ،فهو الذي جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة وأمدكم بأنعم وبنين وجنات وعيون..يا قوم كيف تعبدون هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر والتي كان يعبد مثلها قوم نوح من قبلكم فسلط الله عليهم الطوفان وأغرقهم جميعاً إلا من آمن به وعمل صالحاً.
ثار قومه ووصفوه بالجنون وقالوا له :يا هود إنا لنراك في سفاهة ونظنك كاذباً ،فقال لهم هود عليه السلام :ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين لأبلغكم الرسالة بأن تعبدوا الله حتى يرزقكم الرزق الحلال ،وإن لم تفعلوا فسوف ينتقم الله منكم ،ولكن كان ردهم بسخرية :إن قوم عاد أشداء أقوياء لا يخشون أحد فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين.
"وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون..قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهةٍ وإنا لنظنك من الكاذبين..قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين..أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين..أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون..قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد ءاباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"
(3)
ظل هود يدعو قومه إلى عبادة الله ،ويخوفهم غضبه وبطشه ،فصدقه قوم وآمنوا به ،وكذب به آخرون وسخروا منه ،فدعا هود عليهم .استجاب الله دعاء هود فحبس المطر ،واشتد الحر ،فذهبوا إلى آلهتهم يستسقون ويقدمون القرابين إليها ثم يعودون في حزن ،ويمرون على هود ومن آمن معه فيجدونهم في أمن وهدوء .
أقبل القوم على هود يسألونه عما أصابهم ،قال لهم :لقد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب ..اتقوا الله يرسل السماء عليكم مدراراً ،ويزيدكم قوة إلى قوتكم ، فإن لم تؤمنوا به فسوف يعجل بنهايتكم .ما من دابة في الأرض إلا هو آخذ بناصيتها ،ثم يصب عليكم عذابه فيهلككم أجمعين.
رأى الكافرون سحابة سوداء في نهاية الأفق ففرحوا وظنوا أن آلهتهم استجابت لهم .أما هود عليه السلام فأمره الله بأن يجمع المؤمنين من قومه ويذهب بهم إلى الجهة الأخرى من الجبل وامتثل هود للأمر وخرج من المدينة بقومه.
(4)
"وأما عاد فأُهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية..سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية..فهل ترى لهم من باقية"
كانت السحابة التي رأها قوم عاد ريحاً مدمرا،هبت عليهم فاقتلعت الأشجار وهدمت القصور وحملت العمالقة الكافرين وغرستهم في الأرض كأنهم أعجاز النخل .أما هود والذين آمنوا معه فقد لجأوا إلى كهف حماهم من هذه الرياح التي سخرها الله على الكافرين سبع ليالي وثمانية أيام متتابعة ..فإذا إرم ذات العماد أطلال خراب ولم يبق من آثار قوم عاد إلا تلك البيوت التي نحتوها في الجبال تشهد بظلمهم وسوء عاقبتهم.
اتجه هود عليه السلام بمن آمن معه إلى حضرموت فعاشوا فيها يعبدون ربهم ما بقي من حياتهم .
"وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد..واُتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بُعداً لعاد قوم هود"
......................................................................................................